[center]قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى :
بلغني عن بعض الأشراف أنه اجتاز بمقبرة فإذا جارية حسناء عليها ثياب سواد، فنظر إليها فعلقت بقلبه فكتب إليها :
قد كنت أحسب أن الشمس واحدة ...... والبدر في منظر بالحسن موصوف
حتى رأيتك في أثواب ثاكلة [1] ...... سود و صدغك [2] فوق الخد معطوف
فرحت و القلب مني هائم دنف [3] ...... و الكبد حرى و دمع العين مذروف
ردي الجواب ففيه الشكر واغتنمي ...... وصل المحب الذي بالحب مشغوف
و رمى بالرقعة إليها، فلما قرأتها كتبت :
إن كنت ذا حسب زاك و ذا نسب ...... إن الشريف بغض [4] الطرف معروف
إن الزناة أنـــــــاس لا خلاق لهم ...... فاعلم بأنك يــــــوم الدين موقوف
واقطع رجاك لحاك الله[5] من رجل ...... فإن قلبي عن الفحشاء مصروف
فلما قرأ الرقعة زجر نفسه و قال : أليس امرأة تكون أشجع منك؟
ثم تاب و لبس مدرعة[6] من الصوف و التجأ إلى الحرم، فبينا هو في الطواف يوما وإذا بتلك الجارية عليها درع من صوف فقالت له: ما أليق هذا بالشريف، هل لك في المباح؟
فقال : قد كنت أروم هذا قبل أن أعرف الله و أحبه، و الآن قد شغلني حبه عن حب غيره ..
فقالت له : أحسنت ، ثم طافت وهي تنشد :
فطفنا فلاحت في الطواف لوائح ...... غنينا بها عن كل مرأى و مسمع
من كتاب روضة المحبين و نزهة المشتاقين لأبي عبد الله بن قيم الجوزية
الباب السابع و العشرون: فيمن ترك محبوبه حراما فبذل له حلالا أو أعاضه الله خيرا منه
------------------------------------
[1] ثاكلة : هي من مات لها من تحب
[2] صدغك : الصدغ ما بين العين و الأذن
[3] دنف: من براه المرض حتى أشرف على الموت
[4] غض : إمساك النظر
[5] لحاك الله : قبحك و لعنك
[6] مدرعة : ثوب من صوف